Skip to main content

(انشودة تأبين الروح)

1

قرأت مرة ان كلمة ( افا ) لا يوجد لها ترجمة معتمده في لغات العالم فهي مفردة نستخدمها حينما نعجز عن التعبير عما نشعر به من عمق الالم وخيبة الامل بأحد المقربين منا ، فتضيع منا اللغة ولا نجد في قاموسها الكلمات المناسبة التي تعبر وبحق عن مقدار المرارة والقهر الذي نشعر به ولذلك ننطقها ونمدها بالالف ( افااااا ) وفي احيان كثيرة ومن قسوة الالم نكررها دون ان نشعر بذلك .. فعندما يخذلنا انسان كان في يوماً اقرب إلينا من حبل الوريد تعجز اللغة بدورها عن إيجاد الكلمات المناسبة التي تُعبر عن ألم الروح الذي يعترينا لحظة الخذلان ولذلك نصرخ بــ ( افااا ) .

2

افا – الم الروح .

اخ – الم الجسد .

3

تسارع نبضات القلب ، الصداع المستمر والاحساس الدائم بجفاف الفم (الظمأ)- هذه هي لغة الجسد حينما يشعر صاحبه بالخذلان .. وبالطبع لا ننسى سكب الدموع !

4

تخرج الروح المطمئنة الى بارئها فيكفن الجسد بعد غسلة بالدموع ويشيع الى مسكنة الأخير محمولاً بالدعاء حتى يوارى الثرى .. ذلك هو موت الجسد ..

اما موت الروح فيكون بالفقد –فعندما نفقد من نحب تنطفئ الروح داخلنا وتخفت جذوتها الى ان تتلاشى وتترك صاحبها حزينا للابد! .

5

ولنا في مسيرة يعقوب سيرة ..حيث وثق بهم وسلمهم الأمانة الا انهم استسلموا لشهواتهم وما لبثوا ان خانوا الامانه فقاموا بإلقائها في غيابتِ الجُب دون ان يحسبوا ايه حساب في من وثق بهم واحبهم وسلمهم الامانة .. فجاءوا بدموع التماسيح مقدمين حججهم الكاذبة ليداروا سوءاتهم بقصة الذئب .. ولم يكتفوا بالكذب المجرد انما زادوا عليه القميص الملطخ بالدماء حتى يدللو على صحة الرواية .

ذلك هو الخذلان .. ذلك هو الغدر .. حينما تؤتى من حيث تأمن! فالخذلان لا يأتي من الشخص البعيد .. والغدر لا يأتي من العدو!

فماذا صنع الحكيم الذي كان يشعر بمكرهم ويشك بألاعيبهم ( قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنفُسُكُمْ أَمْرً) ماذا صنع ؟ لا شي .. فقط استعصم بالله وبالصبر …. فصبر صبراً جميلاً واستعان بالله رب العالمين على احزانه واحساسه العميق بالغدر والخذلان.

وماذا جاء في بال يوسف يا تُرى ؟ هل صاح بهم مستنجداً ؟ هل تساءل بحسرة لماذا ألقيتموني ؟ هل احس بألم الخنجر مغروساً في خاصرته؟ هل سكب الدمع ؟ هل جف ريقه ويبس ؟ هل شعر بالخيانة والغدر؟.. اراهن على انه احس بكل ما سبق .. فكل من تجرع مرارة الغدر والخذلان من اقرب الناس اليه يستطيع ان يضع نفسه موضعَ يوسف! وان يتمثل احساسه في حينها ويمكنه ان يراهن على الذي حصل معه! اراهن على انه صاح بهم ( افاااا ) فلم يجد في مفردات اللغة ما يسعفه من هول صدمته !

ولم تنتهي فصول الحكاية عند هذا الحد .. اذ انهم ما لبثوا ان اخطئوا بحقه مرة اخرى وفرطوا بالامانة مرة اخرى وخانوا العهد مرة تلو الاخرى .. فحزن يعقوب حزناً شديداً الى درجة ان استجاب له الجسد ( وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ ) ففقد بصره من شدة الحزن ولكنه لم يفقد البصيرة ! فاعتزلهم بكل هدوء وقال ﴿ قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ﴾ فتوجه بكل الامه وبكل احزانه الى الله يرجوه ان يخفف عنه وطئة الحزن والخذلان .

6

بقدر حجم الحب يكون حجم الالم

7